الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ولا لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة, إلا أن لا يجد طولا بحرة مسلمة ويخاف العنت] الكلام في هذه المسألة في شيئين: أحدهما: أنه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان, عدم الطول وخوف العنت وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافا فيه والأصل فيه قول الله سبحانه: والثاني: إذا عدم الشرطان أو أحدهما, لم يحل نكاحها لحر. روى ذلك عن جابر وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس, والزهري وعمرو بن دينار ومكحول, ومالك والشافعي وإسحاق وقال مجاهد: مما وسع الله على هذه الأمة, نكاح الأمة وإن كان موسرا وبه قال أبو حنيفة إلا أن يكون تحته حرة لأن القدرة على النكاح لا تمنع النكاح, كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة وقال قتادة والثوري: إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة, وإن وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف العنت وقد وجدت فلا يندفع إلا بنكاح الأمة, فأشبه عادم الطول ولنا قول الله تعالى: وإن قدر على تزويج كتابية تعفه, لم يحل له نكاح الأمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكروا وجها آخر أنه يجوز له لقول الله تعالى: ومن كانت تحته حرة يمكنه أن يستعف بها, لم يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافا ولا فرق بين الكتابية والمسلمة في ذلك لما ذكرنا من قبل. فإن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك, لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته ولصاحبه مطالبته به في الحال وكذلك إن رضيت الحرة بتأخير صداقها أو تفويض بضعها لأن لها مطالبته بعوضه وكذلك إن بذل له باذل أن يزنه عنه, أو يهبه إياه لم يلزمه قبوله لما عليه من ضرر المنة وله في ذلك كله نكاح الأمة وإن لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل, وكان قادرا عليه ولا يجحف به لم يكن له نكاح الأمة وقال أصحاب الشافعي: له ذلك, كما لو لم يجد الماء إلا بزيادة عن ثمن المثل فله التيمم ولنا قول الله تعالى: وإن كان في يده مال, فذكر أنه معسر وأن المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم بينه وبين الله تعالى فقبل قوله فيه, كما لو ادعى مخافة العنت ومتى تزوج الأمة ثم أقر أنه كان موسرا حال النكاح فرق بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه وهكذا إن أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان قبل الدخول وصدقه السيد, فلا مهر وإن كذبه فله نصف المسمى لأنه يدعى صحة النكاح والأصل معه, وإن كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعه إلا أن يكون مهر المثل أكثر, فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح الفاسد يلزمه مهر المثل لإقراره به وإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد ألا يصدقه فيما قال, فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين. قال: [ومتى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت ثم أيسر, لم ينفسخ النكاح] هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي وفي المذهب وجه آخر, أنه يفسد النكاح وهو قول المزني لأنه إنما أبيح للحاجة فإذا زالت الحاجة لم يجز له استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضرورة, فإذا وجد الحلال لم يستدمه ولنا أن فقد الطول أحد شرطى إباحة نكاح الأمة فلم تعتبر استدامته, كخوف العنت ويفارق أكل الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتداء للأكل, وهذا لا يبتدئ النكاح إنما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف ابتداءه بدليل أن العدة والردة وأمن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته. وإن تزوج على الأمة حرة, صح وفي بطلان نكاح الأمة روايتان إحداهما لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء, والشافعي وأصحاب الرأي وروى معنى ذلك عن على رضي الله عنه والرواية الثانية ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق, وإسحاق والمزني ووجه الروايتين ما تقدم في المسألة وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها, وإلا فارقها ولا يصح لأن ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد أبطله في ذات الولد كسائر مبطلاته ولأن ولده منها مملوك لسيدها, ونفقته عليه وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن على أنه قال: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة فإنه لو بطل بنكاح الحرة, لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب. قال: [وله أن ينكح من الإماء أربعا, إذا كان الشرطان فيه قائمين] اختلفت الرواية عن أحمد في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال: إذا خشى العنت تزوج أربعا إذا لم يصبر كيف يصنع؟ وهذا قول الزهري, والحارث العكلى ومالك وأصحاب الرأي والرواية الثانية, قال أحمد: لا يعجبني أن يتزوج إلا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس وهو ما روي عن ابن عباس: أن الحر لا يتزوج من الإماء إلا واحدة وقرأ: وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين أحدهما انقضاء عدتها, فإن حملت من الزنى فقضاء عدتها بوضعه ولا يحل نكاحها قبل وضعه وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وفي الأخرى قال: يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لأنه وطء لا يلحق به النسب فلم يحرم النكاح, كما لو لم تحمل ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه زرع غيره )) يعني وطء الحوامل وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( لا توطأ حامل حتى تضع )) صحيح, وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب (( أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى, فرفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ففرق بينهما وجعل لها الصداق وجلدها مائة )) رواه سعيد (( ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة مجحا على باب فسطاط, فقال: لعله يريد أن يلم بها؟ قالوا: نعم قال: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له؟ )) أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها, كسائر الحوامل وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم عليها النكاح فيها لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا, فيكون نكاحها باطلا فلم يصح كالموطوءة بشبهة وقال أبو حنيفة والشافعي: لا عدة عليها لأنه وطء لا تصير به المرأة فراشا, فأشبه وطء الصغير ولنا ما ذكرناه لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل, فغيرها أولى لأن وطء الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول, ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الأنساب فكان بالتحريم أولى, ولأنه وطء في القبل فأوجب العدة كوطء الشبهة, ولا نسلم وطء الصغير الذي يمكن منه الوطء والشرط الثاني أن تتوب من الزنا وبه قال قتادة, وإسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة ومالك, والشافعي: لا يشترط ذلك لما روى أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنى وحرص أن يجمع بينهما فأبي الرجل وروى أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية, فقال: يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه, أكان يجوز؟ ولنا قول الله تعالى: { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك إلى قوله: وحرم ذلك على المؤمنين } وهي قبل التوبة في حكم الزنى فإذا تابت زال ذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) وقوله (( التوبة تمحو الحوبة )) وروى (( أن مرثدا دخل مكة, فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته إلى نفسها فلم يجبها, فلما قدم المدينة سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أنكح عناقا؟ فلم يجبه فأنزل الله تعالى: وإذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره في قول أكثر أهل العلم, منهم أبو بكر وعمر وابنه, وابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب, وطاوس وجابر بن زيد وعطاء, والحسن وعكرمة والزهري, والثوري والشافعي وابن المنذر, وأصحاب الرأي وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة, أنها لا تحل للزاني بحال قالوا: لا يزالان زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر ويحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها, فيكون كقولنا فأما تحريمها على الإطلاق فلا يصح لقوله تعالى: وإن زنت امرأة رجل, أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده, في قول عامة أهل العلم وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي, والثوري والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شيء وكذلك روي عن الحسن وعن على رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل الدخول بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت منه لتحقيقه الزنى عليها, فدل على أن الزنى يبينها ولنا أن دعواه الزنى عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لانفسخ بمجرد دعواه, كالرضاع ولأنها معصية لا تخرج عن الإسلام فأشبهت السرقة, فأما اللعان فإنه يقتضي الفسخ بدون الزنى بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها, ولذلك أوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- الحد على من قذفها والفسخ واقع ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه, وتلحق به ولدا ليس منه قال ابن المنذر: لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد هذا قال أحمد: ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض وذلك لما روى رويفع بن ثابت قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم حنين: (( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره )) يعني إتيان الحبالى ولأنها ربما تأتى بولد من الزنى فينسب إليه والأولى أنه يكفى استبراؤها بالحيضة الواحدة لأنها تكفى في استبراء الإماء, وفي أم الولد إذا عتقت بموت سيدها أو بإعتاق سيدها فيكفى ها هنا, والمنصوص ها هنا مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فيكتفى بها. وإذا علم الرجل من جاريته الفجور فقال أحمد: لا يطؤها لعلها تلحق به ولدا ليس منه قال ابن مسعود: أكره أن أطأ أمتى وقد بغت وروى مالك, عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر: هذا مجمع على تحريمه وكان ابن عباس يرخص في وطء الأمة الفاجرة وروى ذلك عن سعيد بن المسيب ولعل من كره ذلك كرهه قبل الاستبراء, أو إذا لم يحصنها ويمنعها من الفجور ومن أباحه بعدهما فيكون القولان متفقين والله تعالى أعلم. قال: [ومن خطب امرأة, فلم تسكن إليه فلغيره خطبتها] الخطبة بالكسر: خطبة الرجل المرأة لينكحها والخطبة, بالضم: هي حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام: فصل: والتعويل في الرد والإجابة على الولي إن كانت مجبرة وعليها إن لم تكن مجبرة لأنها أحق بنفسها من وليها ولو أجاب هو, ورغبت عن النكاح كان الأمر أمرها وإن أجاب وليها فرضيت, فهو كإجابتها وإن سخطت فلا حكم لإجابته لأن الحق لها ولو أجاب الولي في حق المجبرة فكرهت المجاب, واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدما على اختياره وإن كرهته ولم تجز سواه, فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا لأنه قد أمر باستئمارها فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه وإن أجابته ثم رجعت عن الإجابة وسخطته, زال حكم الإجابة لأن لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد وإن لم ترجع هي ولا وليها, ولكن ترك الخاطب الخطبة أو أذن فيها جازت خطبتها لما روى في حديث ابن عمر, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ((أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن له أو يترك )) رواه البخاري.
فصل: وخطبة الرجل على خطبة أخيه في موضع النهى محرمة قال أحمد: لا يحل لأحد أن يخطب في هذه الحال وقال أبو حفص العكبرى: هي مكروهة غير محرمة وهذا نهى تأديب لا تحريم ولنا, ظاهر النهى فإن مقتضاه التحريم ولأنه نهى عن الإضرار بالآدمى المعصوم, فكان على التحريم كالنهى عن أكل ماله وسفك دمه فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال: لا يفرق بينهما وهو مذهب الشافعي وروي عن مالك وداود, أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في البيع على بيع أخيه: هو باطل وهذا في معناه ووجهه أنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار ولنا, أن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما لو صرح بالخطبة في العدة.
فصل: ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة, إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق لها وهو نائب عنها في النظر لها فلم يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه, كما لو ساوم في بيع دارها ثم تبين له المصلحة في تركها ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط لنفسها, والنظر في حظها وإن رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القول, ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمهما كمن ساوم بسلعته ثم بدا له أن لا يبيعها.
فصل: فإن كان الخاطب الأول ذميا, لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه أحمد فقال: لا يخطب على خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه, إنما هو للمسلمين ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو استام على سومهم, لم يكن داخلا في ذلك لأنهم ليسوا بإخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر: لا يجوز أيضا لأن هذا خرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به ولنا أن لفظ النهى خاص في المسلمين, وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمى كالمسلم ولا حرمته كحرمته ولذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها وقوله: خرج مخرج الغالب قلنا: متى كان في المخصوص بالذكر معنى يصح أن يعتبر في الحكم, لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه وللأخوة الإسلامية تأثير في وجوب الاحترام وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه, وحفظ قلبه واستبقاء مودته فلا يجوز بخلاف ذلك والله أعلم.
مسألة: قال: [ولو عرض لها وهي في العدة, بأن يقول: إني في مثلك لراغب وإن قضي شيء كان وما أشبهه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها فلا بأس إذا لم يصرح] وجملة ذلك أن المعتدات على ثلاثة أضرب: القسم الثالث بائن يحل لزوجها نكاحها, وقال الشافعي: السر: الجماع وأنشد لامرئ القيس: ومواعدة السر أن يقول: عندي جماع يرضيك ونحوه وكذلك إن قال: رب جماع يرضيك فنهى عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف.
فصل: فإن صرح بالخطبة, أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه وقال مالك: يطلقها تطليقة, ثم يتزوجها وهذا غير صحيح لأن هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح الثاني, أو كما لو رآها متجردة ثم تزوجها.
فصل: ويحرم على العبد نكاح سيدته قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل وروى الأثرم بإسناده عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن العبد ينكح سيدته, فقال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها, فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال: لا يحل لك ولأن أحكام النكاح مع أحكام الملك يتنافيان فإن كل واحد منهما يقتضي أن يكون الآخر بحكمه, يسافر بسفره ويقيم بإقامته وينفق عليه, فيتنافيان.
فصل: وليس للسيد أن يتزوج أمته لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولو ملك زوجته وهي أمة, انفسخ نكاحها وكذلك لو ملكت المرأة زوجها انفسخ نكاحها ولا نعلم في هذا خلافا ولا يجوز أن يتزوج أمة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته.
فصل: ولا يجوز للحر أن يتزوج أمة ابنه لأن له فيها شبهة ملك وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل العراق: له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق بإعتاقه لها ولنا, قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( أنت ومالك لأبيك )) ولأنه لو ملك جزءا من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي مضافة إليه بجملتها شرعا أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أم سيده أو سيدته, مع ما ذكرنا من الخلاف ويجوز للعبد أن يتزوج أمة ابنه لأن الرق يقطع ولايته عن أبيه وماله ولهذا لا يلي ماله ولا نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه, فهو كالأجنبي منه.
فصل: وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي, وكذلك سائر القرابات ويجوز أن يزوج الرجل ابنته لمملوكه إذا قلنا: ليست الحرية شرطا في الصحة ومتى مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه, أو جزءا منه انفسخ النكاح وكذلك إن ملكه أو جزءا منه بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا إلا أن الحسن قال: إذا اشترى امرأته للعتق, فأعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لأنهما متنافيان فلا يجتمعان قليلا ولا كثيرا, فبمجرد الملك لها انفسخ نكاحه سابقا على عتقها وحكم المكاتب يتزوج بنت سيده أو سيدته حكم العبد في أنه إذا مات سيده, انفسخ نكاحه وقال أصحاب الرأي: النكاح بحاله لأنها لم تملكه إنما لها عليه دين وليس بصحيح فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم )) ولأنه لو زال الملك عنه لما عاد بعجزه, كما لو أعتق.
فصل: وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك بطلاق, فمتى أعتقته ثم تزوجها لم تحتسب عليه بتطليقة وبهذا قال الحكم, وحماد ومالك والشافعي, وابن المنذر وإسحاق وقال الحسن والزهري, وقتادة والأوزاعي: هي تطليقة وليس بصحيح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية وإنما انفسخ النكاح بوجود ما ينافيه, فأشبه انفساخه بإسلام أحدهما أو ردته ولو ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها, في قول عامة المفتين حتى يستخلصها فتحل له بملك اليمين وروي عن قتادة أنه قال: لم يزده ملكه فيها إلا قربا وليس بصحيح لأن النكاح لا يبقى في بعضها, وملكه لم يتم عليها ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه.
فصل: ولا يجوز للرجل وطء جارية ابنه لأن الله تعالى قال: فصل: وإن وطئ الابن جارية أبيه, عالما بتحريم ذلك فعليه الحد ولا يلحقه النسب, ولا تصير به الجارية أم ولد لأنه لا ملك له ولا شبهة ملك فأشبه وطء الأجنبية وكذلك سائر الأقارب.
فصل: وإن وطئ الأب وابنه جارية الابن في طهر واحد, فأتت بولد أرى القافة فألحق بمن ألحقته به منهما وصارت أم ولد له, كما لو انفرد بوطئها وإن ألحقته بهما لحق بهما وإن أولدها أحدهما بعد الآخر فهي أم ولد للأول منهما خاصة لأنها بولادتها منه صارت له أم ولد, لانفراده بإيلادها فلا تنتقل بعد ذلك إلى غيره لأن أم الولد لا ينتقل الملك فيها إلى غير مالكها وقد نقل عن أحمد في رجل وقع على جارية ابنه, فإن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فأحبلها الأب, فالولد ولده والجارية له وليس للابن فيها شيء قال القاضي: ظاهر هذا أن الابن إن كان وطئها, لم تصر أم ولد للأب لأنه يحرم عليه وطؤها وأخذها فتكون قد علقت بمملوك وإن كان الأب قبضها, ولم يكن الابن وطئها ملكها لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما زاد على قدر نفقته ولم تتعلق به حاجته, فيتملكه.
باب نكاح أهل الشرك: أنكحة الكفار صحيحة يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها في الحال, ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي, والشهود وصيغة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا, في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع وقد أسلم خلق في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلم نساؤهم, وأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شروط النكاح ولا كيفيته, وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا ولكن ينظر في الحال, فإذا كانت المرأة على صفة يجوز له ابتداء نكاحها أقر وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها, كأحد المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة والمرتدة, والوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثا, لم يقر. وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد انقضائها أقرا لأنها يجوز ابتداء نكاحها.
|